بقلم: رئيس مجلس إدارة جمعية همة الشبابية المهندس: عمار السوادي

مع بدء كل عام دراسي، يجد العديد من الطلبة والطالبات الذين أنهوا المرحلة الثانوية أنفسهم في مواجهة تحدي البحث عن فرص التقديم إلى الجامعات المنتشرة في الجمهورية التركية.

ومن أكبر التحديات التي يواجهها الطلاب عند المفاضلة هو التفكير في الكلفة الاقتصادية والمعيشية التي تترتب على اختياره، خاصةً مع التضخم الاقتصادي وارتفاع تكاليف المعيشة في الفترة الأخيرة.

إن هذا التحدي يشكل عائقًا كبيرًا أمام الطلاب، ويجعل الكثيرين منهم يعزفون عن التقديم للجامعات بسبب عجزهم عن تغطية النفقات المعيشية والرسوم الجامعية. مما يؤدي إلى إحباط وعدم قدرتهم على إكمال التعليم.

عندما تتكسر أحلام الطموح بأمواج الواقع الاقتصادي:

إحدى أكثر العبارات المؤثرة التي نواجهها عند تقييم الطلبات المقدمة لمنحة الخير في جمعية همّة، هي العبارة التي يكتبها العديد من الطلاب في نموذج التقديم: “إذا لم أتمكن من الحصول على منحة لتغطية مصاريف المعيشة، فسيكون ذلك سبباً في تجميد قيدي الجامعي”. هذه العبارة تعبّر عن واقع يواجهه ما لا يقل عن 40% من الطلاب الجامعيين الذين يجلسون الآن على مقاعد الدراسة، ويبحثون باستمرار عن مصدر دخل لتغطية تكاليف معيشتهم، حتى يتمكنوا من مواصلة دراستهم الأكاديمية.

إن أهم ما تقدمه منحة الخير للطلاب خلال فترة دراستهم هو توفير البيئة الأكاديمية المستقرة، وهذا يبدأ بتأمين السكن الجامعي عبر المساكن الطلابية التابعة لجمعيتنا، المنتشرة في مختلف المدن التركية. تلك المساكن توفر للطلاب بيئة دراسية ملائمة، مع جو مريح وصحبة راقية تساهم في الحفاظ على القيم والأخلاق. كل هذا يسهم في تحقيق الاستقرار النفسي، الأكاديمي، والاجتماعي للطلاب، وهو ما يحتاجونه للتركيز على دراستهم وتحقيق التميز الأكاديمي.

الشفافية والمؤسساتية والأتمتة: ثلاثي التميز

عند فتح باب التقديم لمنحة الخير، نحرص على أعلى معايير الشفافية والمهنية لضمان اختيار الطلاب الأكثر استحقاقاً وفقاً لاحتياجاتهم الأكاديمية والمعيشية. يبدأ التقديم سنوياً بعد منتصف شهر أغسطس عبر روابط إلكترونية، ويُطلب من المتقدمين تقديم مستنداتهم الأكاديمية والوثائق الثبوتية التي تدعم ملفاتهم.

بعد مراجعة الطلبات من قبل قسم المنح والكفالات، تُرفع الملفات المستوفية للشروط إلى لجنة متخصصة مكونة من أكاديميين وشخصيات اعتبارية. تقوم اللجنة بدراسة كل طلب على حدة وفق معايير محددة لضمان الشفافية في عملية الاختيار.

بمجرد اتخاذ القرار، يتم التواصل مع الطلاب المقبولين وتوجيه ملفاتهم إلى قسم المشاريع والتسويق للتواصل مع الجهات المانحة والشركاء لتأمين الدعم المالي اللازم. بعد تأكيد التمويل، يحصل الطالب على المنحة، ويتمكن من الانضمام إلى المساكن الطلابية التابعة للجمعية واستفادة من البرامج الداعمة خلال فترة دراسته.

الحرص على المهنية والإلتزام بالمعايير المؤسساتية:

لحرصها الشديد على المهنية والإلتزام بالمعايير المؤسساتية وتحقيقها لجميع المتطلبات القانونية في الدولة التي تعمل فيها, حصلت جمعية همة على رخصة لإطلاق حملة كفالة الطلبة الجامعيين في عام 2024 من طرف الإدارة العامة للجمعيات بالرقم 185-201-34 وهي من أوائل المؤسسات التي تقدم خدماتها للاجئين في تركيا التي حصلت على هذا النوع من التراخيص.

من معاناة الخيمة إلى عطاء العيادة الطبية!

من بين قصص النجاح الملهمة التي نفتخر بأننا كنا شركاء في تحقيقها، هي قصة الطالبة “م.أ”، التي كانت تقيم في أحد المخيمات المخصصة للاجئين في جنوب تركيا. رغم ظروفها الصعبة، تمكنت الطالبة من تحقيق معدل كامل في امتحان الثانوية العامة، وكانت تحلم بدراسة طب الأسنان في إحدى الجامعات. إلا أن العقبة التي كانت تقف أمامها هي تقديم امتحان الـ YOS، وهو الامتحان المطلوب للطلاب غير الأتراك للتقديم على الجامعات التركية.

من خلال تواصلها مع جمعية همّة، قمنا بتيسير كافة الإجراءات اللازمة، بدءًا من توفير السفر والإقامة، وحتى تغطية رسوم الامتحان. وبفضل دعمنا، حصلت الطالبة “م.أ” على درجة ممتازة في امتحان الـ YOS، حيث تجاوزت نسبتها 98%. بناءً على هذا الإنجاز، سارعت بالتقديم على مختلف الجامعات التركية، وتمكنت من الحصول على قبول في إحدى الجامعات المرموقة التي تتميز ببرامجها في العلوم الصحية.

الطالبة “م.أ” لم تعد اليوم مجرد طالبة، بل أصبحت طبيبة متميزة معروفة بتفوقها الأكاديمي وكفاءتها المهنية. وهي الآن تذكر دائماً تلك المساعدة التي قدمتها لها الجمعية، والتي كانت خطوة حاسمة في تحقيق حلمها. والجميل في الأمر أن “م.أ” أصبحت بدورها نموذجًا للعطاء، حيث تسهم الآن في مساعدة زميلاتها وزملائها من الطلاب الآخرين، لتكون قدوة ومثالاً حيًا على رد الجميل ومواصلة مسيرة النجاح.

بشركائنا يستمر العطاء

إن هذه المنحة لا يمكن لها أن تنمو ولا أن تستمر من بعد عون الله وتوفيقه إلا من خلال شراكة فاعلة وتواصل دائم، ودعم سخي من الشركاء والجهات المانحة الذين يعتبرون العون الأكبر لنا، بعد توفيق الله تعالى، في تحقيق هذه الأحلام. فبفضلهم، يتمكن العديد من الطلاب والطالبات من الحصول على هذه المنحة التي تُعد بوابة نحو مستقبل مشرق.

نفخر في جمعية همّة بأن منحتنا تستمد قوتها وتنوعها من تنوع داعميها؛ من مؤسسات دائمة، وجهات حكومية متميزة، وتجار ورجال أعمال مهتمين، وطلاب وشركات تجارية تحرص على تحقيق المسؤولية المجتمعية والمساهمة فيها بشكل فاعل. إننا نحرص على أن تستمر هذه الشراكة المميزة، ونأمل أن يستمر هذا الدعم لكي نستمر نحن أيضاً في تقديم الخير، وإضاءة شمعة المعرفة التي تضيء طريق المستقبل.

الاستدامة الأجمل: دعم التعليم

تُعد المنحة الدراسية الجامعية من أهم الأدوات التي تساهم في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والتنمية المستدامة، وإزالة الاحتياج لكثير من الأسر اللاجئة المقيمة في تركيا. فتمكين الطالب من استكمال دراسته الجامعية وحصوله على شهادة أكاديمية يُعتبر من الضرورات الحاسمة التي تفتح له أبواب فرص العمل المرموقة، سواء داخل تركيا أو خارجها. هذا لا يساعد فقط الطالب على الانتقال من حالة الفقر والاحتياج، بل يساهم أيضًا في تحسين أوضاع أسرته بأكملها، من خلال تحقيق استقرار اقتصادي عبر وظيفة مناسبة توفر دخلاً ثابتًا.

إن أهمية هذا الدعم لا تقتصر على الطالب وحده، بل يمتد تأثيره إلى تحسين المستوى المعرفي والعلمي لعموم الشباب من اللاجئين المقيمين في تركيا، وخاصة أولئك الذين أنهوا دراستهم الثانوية في المدارس التركية. فالقبول الجامعي في تركيا يُعتبر الفرصة الوحيدة تقريبًا المتاحة لهؤلاء لاستكمال تعليمهم. ومن الجدير بالذكر أن نسبة اللاجئين الذين يحظون بهذه الفرصة لا تتجاوز 2% من إجمالي اللاجئين المقيمين في تركيا.

إن طموحنا، بدعمكم ومساهمتكم، هو أن نصل بهذه النسبة إلى 5% على الأقل في أقرب وقت ممكن. بجهودكم ومساهمتكم، نأمل في تحقيق هذا الهدف الذي لا يساهم فقط في التطور المعرفي والاستقرار الاقتصادي، بل يعزز أيضًا الانسجام والتكامل في المجتمع، من خلال بناء علاقة صحية وإيجابية بين المجتمع المضيف واللاجئين المقيمين.